بنك الجار

عبر د. أحمد سامر العش
تم النشر تم التعديل 31 عدد المشاهدات

بنك الجار

 

حاولنا منذ بداية هذه السلسلة أن نجعل المشاريع العملية هي المحرك الفاعل للمجتمعات الإسلامية بغرض ربط تحليل وتشخيص الواقع بالحلول التنفيذية في محاولة للنزول من التأطير النظري المجرد إلى الربط بفعالية بحياة وواقع الناس ضمن الإمكانيات والأدوات المتاحة.

بدايةً طرحنا مشروع بنك المعلومات ثم مشروع بنك السلالات النباتية والحيوانية ثم مشروع تخطيط وتحديث وتطبيق موازين الأداء في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية واليوم نضع الإطار العام لمشروع بنك الجار.

في المشاريع السابقة بدأنا ببعض الخطوات العملية وما زالت كلها في مراحلها الأولى وتحتاج إلى صبر ووقت وعزيمة و-فوق كل هذا -الإخلاص لله وصفاء النية لنهضة الإنسان وتحقيق مهمة الاستخلاف كما أرادها الله تحت سلطان الشرع.

فكرة بنك الجار تنطلق من فكرة ابن خلدون في العمران «المصلحة والمنفعة المشتركة «وهي الدافع الحقيقي وراء حاجة البشر للتجمع وتبادل المنفعة. كما أراد الله للمجتمعات السليمة المحققة للمعنى الحقيقي للاستخلاف أن يحصل هذا النوع من التكافل البشري، فمن آتاه الله مالاً عليه أن يساعد من ابتلاه الله بنقص المال، والفقير عليه ألا يعتمد على الغني فيتكاسل ويتباطأ عن السعي في طلب الرزق. هذه المعادلة فشلت المجتمعات البشرية في الوصول إلى تركيبتها الناجعة عبر التاريخ باستثناءات بسيطة.

في العصور التي تراجع فيها المسلمون عن الدور الفكري الريادي في حمل التكليف الإلهي للبشرية كافة ظهرت نماذج تطبيقية لوضع قواعد لربط العلاقات البشرية خارج التوجيه الإلهي فظهرت الاشتراكية والفاشية والرأسمالية بأطوارها المتعددة ولكن في النهاية فشلت كل هذه الحلول البشرية في تحقيق السعادة المنشودة في الدنيا والآخرة والتي وضعها ابن خلدون هدفاً لكل كائن بشري.

فكرة البنك التي ظهرت منذ أكثر من ثلاثة قرون لحفظ المال في مكان أمن والوصول له في الوقت الذي نريد وفكرة وجود آليات لتقييم وتبادل الثروة ظهرت وانتشرت في كل التجمعات البشرية لأنها تلبي حاجات حقيقية يحتاجها كلُّ فرد على وجه الأرض ولكن أساس الفكرة لمن أوجدها أو طورها جعلت من المنتج النهائي “البنك، العملة الورقية، آليات تحديد وقياس القيمة « الذي يلبي هذه الحاجة أداة استغلال وقمع وتدمير لمجتمعات على حساب مجتمعات ولأفراد على حساب أفراد ولأمم على حساب أمم.

في شرع الله المال لا يُولد مال دون ربطه بالشيء الحقيقي وهو البيع والشراء لمنتجات ملموسة أو خدمات حقيقية، بينما واقعنا اليوم يقول إن الاقتصاد الحقيقي من زراعة وصناعة وخدمات يكاد لا يُذكر بالحجم والقوة أمام اقتصاد التمويل! فيكفي في أي بقعة من العالم أن تأخذ رخصة بنك وتصبح عضواً في هذا النادي الخاص حتى تضمن النجاح والربح إمّا أن تزرع أو تُصنع أو تنشئ مستشفى أو مدرسة أو جامعة فهذا مشروع نسبة نجاحه أضعف بكثير من نسبة نجاح البنك!

كذلك الأمر في قياس وآليات تحديد قيمة الثروة فنجد أنه يكفي أن تكون دولة منتصرة في حرب إبادة بشرية وعندك رخصة سرقة لباقي الشعوب تحت اسم معاهدات واتفاقيات إذعان حتى تقول إن ما تملكه يساوي هذا وما أملكه يساوي هذا. ففي أزمة كورونا رأينا البنك الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي البريطاني والأوروبي يطبع تريليونات الدولارات واليورو والجنيه الإسترليني ويضخها في العالم ويأكل جزءا من ثروة كل فرد على وجه الأرض أما العملة التركية تدهورت قيمتها على الرغم من أداء الاقتصاد التركي الحقيقي في الإنتاج والنجاح في إدارة أزمة كورونا كان أعلى بكثير من تلك الدول!

كثير من المسلمين الأفراد الذين يملكون الثروة كان عندهم رغبة حقيقية في كسر هذه الحواجز المُكبِّلة تحت عناوين كثيرة كالحرية الشخصية وقوانين حماية الملكية الدولية وحرية تنقل المال والتصرف به ليُصدموا أنهم لا يختلفون عن دولهم المُكبَّلة باتفاقيات الخنوع بل وجدوا أنفسهم عبيداً للعبيد في إمكانية تصرفهم بمالهم أو حتى تحريكه أو صرفه أو حتى تحديد أماكن استثماره! طبعاً هذا لا يعني أن حاجز الخوف من فقدان الثروة أو اغضاب الأسياد كان يلعب الدور الأكبر في إحباط هذه المحاولات فاكتفى من أراد الوصول إلى توازن نفسي في عملية إرضاء الله ضمن ديناميات الواقع إلى تعويض فكرة عدم المحاولة أو في أحيان كثيرة عدم وجود البديل العملي للمحاولة إلى الاكتفاء بإخراج الزكاة وإنشاء صناديق أعمال خيرية ضمن ما يُخطّ له خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر.

ونحن هنا لسنا بصدد تحميل المسؤولية لأحد فلا يعلم ما في السرائر إلا الله، بل نكتفي فقط بمحاولة إيجاد آليات حقيقية لكسر القيود والأصفاد ونترك الخيار لأصحاب الثروة في اتخاذ القرار الذي يريدونه.

 

قيمة الثروة وهل نستطيع ضمن ديناميات الواقع أن ننشئ آلية خاصة بنا؟

العالم اليوم يتخبط في إيجاد آلية جديدة في تحديد قيمة الثروة بعد أن استهلك الزمان خدعة الذهب والبترودولار ولم تعد تملك هذه الآليات البريق التسويقي حتى للشعوب التي خرجت منها هذه الآليات. وإعادة إنتاجها بالقوة تحت عناوين جديدة لم يعد يصلح ضمن الديناميات الاجتماعية والسياسية والتكنولوجية على وجه الأرض.
في نفس الوقت الشعوب التي دفعت الفاتورة الأعلى أو كانت في الجانب المهزوم من المعادلة تحاول بشتى الوسائل أن تنهض من هذا الواقع المزري إما بالهروب إلى الجانب الآخر من المعادلة بالهجرة الشرعية واللاشرعية أو بأن تنهض وتقاوم وعليه نجد ثورات الربيع العربي ومحاولات تركيا ودول البريكسيت وتحرك كثير من الدول الأفريقية من جنوب أفريقيا إلى روندا وغيرها كثير. صحيح أن كل هذه المحاولات لم تُحدث انقلاباً حقيقياً في المعادلة لكنها تكتسب زخماً لا يمكن إغفاله وعامل الوقت يتجه لصالحها وسيعزز فرص نجاحها خلق مشاريع عملية تستفيد من ديناميات الواقع لتحدث ثقوباً في هذا الجدار الصخري. والمشاريع التي تستند على إخلاص النية لله تعالى تكتسب قوةً لا يمكن تقديرها بالميزان البشري وتكون نتائجها مذهلة للبشر.

إذا كان قيمة الدولار لعبة أو بالمصطلح الغربي Fiat currency وكل عملات العالم مرتبطة بالدولار فهذا يعني أن كل عملات العالم هي Fiat currency. وإذا كان الذهب أيضاً تتحكم به آليات غامضة وأصل ربطه بآليات تحديد القيمة قام على تسويق روتشيلد للفكرة وهذا ثابت في كتب التاريخ وقامت عليه حروب لتثبيته كمعيار. وإذا كان ومازال للبنك رخصة لصناعة أموال الكترونية من العدم بمباركة البنوك المركزية والعائلات الثمانية الحاكمة في العالم، وإذا كان لثلاث مطابع فقط تقبع في أقبية البنوك المركزية الثلاث الأمريكية، الأوروبية، والبريطانية الحق بأن تطبع عملات بلا أي قيم حقيقية وعلى العالم أن يعترف بها! فكيف هو الخلاص؟ وهل نستطيع حقاً خَلْقَ معيارِ قيمةٍ جديدٍ ولو على مستوى مشروع صغير؟

للجواب على تلك الأسئلة علينا أن نسأل ما هو الشيء الذي له قيمة حقيقية الآن وفي المستقبل؟ باستثناء المعلومة التي يقر بها جميع البشر أنها ذات قيمة عالية وبناءً عليه رسمنا مشروع بنك المعلومات، فإنَّ هناك أشياء ملموسة مازالت أيضاً تشكل أهمية لكل البشر ولا يمكن الاستغناء عنها في الصناعة والزراعة وسنستعرض فيما يلي بعض منها:

وضعت المفوضية الأوروبية حديثاً قائمة بهذه المواد الخام الحرجة للصناعات الآن وفي المستقبل، والتي تصل إلى العشرين مادة التالية: الأنتيمون، البريليوم، بوراتس، الكروم، الكوبالت، فحم الكوك، الفلورسبار، الغاليوم الجرمانيوم، الإنديوم، المغنسيت، المغنيسيوم، الجرافيت الطبيعي، النيوبيوم، معادن مجموعة البلاتين (PGMs)، صخور الفوسفات، عناصر الأرض النادرة (ثقيلة)، عناصر الأرض النادرة (الخفيفة)، معدن السليكون، التنغستن.
المنتجات الغذائية الرئيسية: قمح، أرز، ذرة، قطن، صويا، اللحم، الحليب…الخ

طبعاً الأمر يحتاج إلى عمل سلة متوازنة تُدرس وتُحدث لتحويل المال إلى هذه المنتجات الحقيقية التي هي هبة من الله بهدف حفظ قيمة المال من التلف تحت خدع وألعاب واتفاقيات استسلام أو رغبة طرف محتكر لتسويق مادته كما فعل روتشيلد. وهذا يشمل عمليات الشراء من السلة عند الإيداع، والبيع من السلة عند السحب دون الإخلال بديناميات المنظومة العالمية الحالية نظراً لأسباب كثيرة يطول شرحها الآن ولكن بأخذ ما يناسبنا من هذه الديناميات تحت نموذجنا الخاص بنا.

البيئة الحاضنة للمشروع:
دولة قانون حقيقية وليست جمهورية موز وتعترف بسلطان الشرع الإسلامي هي مواصفات الحاضنة، وباستعراض حواضر المسلمين التاريخية؛ دمشق، بغداد، إسطنبول، القاهرة، نيودلهي. نجد أن الوصف ينطبق فقط على إسطنبول على أمل عودة الباقي للطريق وهذا سيكون قريباً بإذن الله.

الخدمات المصرفية بواسطة المراسل أو الوكيل:
الفقراء ليس لديهم حسابات مصرفية لأنهم لا يذهبون أو لا يدخلون البنوك. لم ولن يذهب الفقراء إلى البنوك لأن المرافق والمواقع والموظفين وموقف السيارات والأشكال كلها كانت ومازالت مخيفة للغاية بالنسبة لشخص لديه وسائل متواضعة وإمكانيات ضعيفة. الحل؟ هو في فتح فروع البنوك في أماكن «أخرى» كما هو الحال في متاجر البقالة أو منافذ البيع بالتجزئة الأخرى. وفتح الفقراء لحسابات مصرفية هناك وبآليات بسيطة غير معقدة.

أصبحت الخدمات المصرفية المراسلة أو عن طريق وكيل واحدة من أكثر الاستراتيجيات الواعدة لتقديم الخدمات المالية في الأسواق الناشئة والفقيرة. في هذا النموذج المطور حديثاً، تعمل المؤسسات المالية مع شبكات منافذ البيع بالتجزئة غير المصرفية الحالية – مثل المتاجر الصغيرة ومحطات الوقود ومكاتب البريد – لتقديم الخدمات المالية. يمكن أن يكون هذا النهج قوياً بشكل خاص عند خدمة الفقراء من غير البنوك التقليدية بسبب قدرته على الحد من تكلفة خدمة البنوك والوصول إلى العمال ذوي الدخل المنخفض حيث يعيشون.

تفيد الخدمات المصرفية عن طريق المراسل (أو الوكيل) مجموعة من أصحاب المصلحة. فمن خلالها يحصل الفقراء على خدمات مالية ملائمة في مجتمعاتهم. كذلك تصل المؤسسات المالية إلى شريحة واسعة من العملاء الجدد. ويزيد الوكلاء من حجم مبيعاتهم ولديهم فرصة لتطوير علاقات أعمق مع العملاء وبخاصة معرفة وضع الفقير بدقة أكبر دون الحاجة في الدخول بعمليات استجواب وتحقيق غير مجدية.

وقد مكنت هذه المبادئ المنظمات من إنشاء عمليات مستدامة زادت بشكل كبير من استخدام الفقراء للخدمات المالية وكذلك طورت معرفة أعمق عن احتياجاتهم الاساسية. ففي المكسيك، وصل برنامج التحويلات الإلكترونية من خلال متاجر Diconsa، التي تبيع المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى في المجتمعات المكسيكية الأكثر فقراً والأكثر ريفية، إلى 200.000 أسرة في غضون عامين من إطلاقها ويمكن أن يصل الرقم من مليونين إلى ثلاثة ملايين أخرى. كما طوّرت شركة M-Pesa الكينية-وهي مزود ناجح للغاية لخدمات الدفع عبر الهاتف المحمول- شبكة تضم أكثر من 16000 نقطة وكيل منذ عام 2007. وهي تعمل مثل منافذ البنوك المراسلة، مما يجعل معظم المواطنين في متناول موقع مادي يوفر خدمات الدفع النقدي والصرف والتحويل.

تعتبر استراتيجية المراسلة فعالة لأنها تمكّن المؤسسات من تأسيس حضور مادي بالقرب من عملائها دون بناء فروع جديدة مكلفة وبالتالي توسيع نطاق وصولها بشكل كبير بتكلفة أقل. ولا يتعين على مقدمي الخدمات أن يتحملوا نفقات إنشاء فروع جديدة ويمكنهم كذلك مشاركة نفقات ثابتة مع شركائهم في البيع بالتجزئة. وبالتالي فإن النماذج المراسلة لها متوسط تكلفة أقل لكل معاملة من الفروع المصرفية التقليدية.

وتقدر المجموعة الاستشارية للبنك الدولي لمساعدة الفقراء (CGAP) متوسط التكلفة الشهرية الإجمالية للعملاء الذين يستخدمون النماذج التي تعتمد على المراسلات والهواتف المحمولة أقل بنسبة 19 بالمئة من تكلفة هذه الخدمات في الفروع التقليدية – وتصل إلى 50 بالمئة أقل لبعض المنتجات، مثل المدخرات متوسطة الأجل وسداد الفواتير.

فعلى سبيل المثال في المكسيك، تعد التكلفة الشاملة لعرض حسابات التوفير (بما في ذلك تكاليف التسويق وفتح الحساب والتكاليف لكل معاملة) من خلال منافذ المراسلة أقل بنسبة 25 بالمئة تقريباً من تقديمها في الفروع التقليدية. وبالتالي، تساعد النماذج المراسلة المنظمات على خدمة المستهلكين ذوي الدخل المنخفض بتكلفة أقل، وهو أمر مهم بشكل خاص لأن الأشخاص في هذا القطاع يتعاملون عادةً في مبالغ صغيرة.

دور التكنولوجيا في بنك الجار:
بنك Goldman Sachs أحد فراعنة العالم يعمل بنشاط هذه الأيام على تحويل نفسه من بنك استثماري إلى شركة تكنولوجيا. وهو مثال وقدوة لباقي البنوك في العالم التي من المؤكد أنها ستتبعه.
في تقرير كتبه لـ HSBC الخبير الأكاديمي وخبير التكنولوجيا المالية الدكتور ماركوس زكرياديس (1) Dr Markos Zachariadis يقول:
« في جوهرها، تقوم الأعمال المصرفية على الثقة. بينما يريد العملاء في كثير من الأحيان أن تكون الخدمات المصرفية حديثة وسريعة الاستجابة، فإنهم يريدون أيضاً التأكد من أن أموالهم ومعلوماتهم آمنة. ويريدون أن تساعدهم البنوك في اتخاذ قرارات مستنيرة بالمعرفة والخبرة المناسبة. من الضروري ألا تشجع البرامج الآلية والذكاء الاصطناعي الأشخاص على تحمل ديون لا يمكنهم سدادها، على سبيل المثال، أو القيام باستثمارات لا تلبي احتياجاتهم.

يجب على مقدمي الخدمات المالية إثبات استخدامهم لتقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة بطريقة أخلاقية منضبطة. بالإضافة إلى ضمان موافقة الجهات التنظيمية والمستثمرين، ومن المهم أن يتواصلوا بوضوح مع العملاء وأن يمنحوهم خيارات ذات مغزى بشأن استخدام معلوماتهم.

وبينما يستخدم العملاء القنوات الرقمية بشكل متزايد لإدارة تمويلهم – حيث تجري 87٪ من معاملات HSBC للبيع بالتجزئة عبر الهاتف المحمول أو عبر الإنترنت – لا يزال العديد من الأشخاص يريدون ويحتاجون إلى نصائح شخصية لاتخاذ قراراتهم المالية الأكثر تعقيداً وحساسية.

التكنولوجيا لديها القدرة على توفير السرعة والراحة غير المسبوقة في مجال الخدمات المصرفية. لكن البنوك التي سوف تزدهر في المستقبل ستكون تلك التي تطابق التكنولوجيا الرائعة مع إدارة المخاطر المدروسة، وقبل كل شيء، خلق تجارب العملاء الممتازة.»
في المستقبل القريب، سيكون العملاء قادرين على مطالبة البنوك بتحليل أنماط الإنفاق الخاصة بهم وإعطائهم توصيات مخصصة بشأن الاستثمار والادخار. ويمكن للبنوك أيضاً تقديم تلميحات حول قرارات مثل تبديل موفر الخدمات لتوفير وإدارة المال – أو حتى التبديل تلقائياً نيابة عن العميل إذا كانوا يفضّلون ذلك.

يمكن أن تتضمن الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول أيضاً وفي وقت قريب تقنيات جديدة مثل الواقع المعزز وتنشيط الصوت. تخيل مثلاً أنك تبحث عن منزل جديد: يمكنك توجيه هاتفك إلى المنزل الذي تريد والتحدث مباشرة إلى تطبيقك المصرفي. وبذلك يمكن لمصرفك أن يخبرك ليس فقط بمدفوعات سداد أقساط الرهن العقاري الشهرية الخاصة بك ولكن أيضاً، من خلال الاستفادة من المعلومات العامة وتفاصيل حول الخدمات المحلية والضرائب أن يوجهك للقرار الأسلم.

تفتح التكنولوجيا أيضاً طرقاً جديدة للحفاظ على سلامة الناس والنظام المالي. فالبرامج المؤتمتة قادرة بالفعل على إجراء عمليات الفحص الأمني بسرعة ودقة، مما يساعد على اكتشاف النشاط الإجرامي ومكافحة الاحتيال. ومن المرجح أن تصبح هذه الأدوات أكثر ذكاءً وتستخدم على نطاق أوسع في المستقبل.
لكن كل هذا يضعنا أمام سؤال مهم للغاية كيف سنضع كل معلوماتنا ونودع أحلامنا وقراراتنا المستقبلية ومن سيلعب الدور الأكبر في توجيهنا بين أيدي منظومة فاسدة نرى بأم أعيننا أين إلى أودت بالبشرية جمعاء! ألا يجب أن نخلق البديل الذي يتطابق مع مبادئنا الخيرة المستمدّة من التوجيه الإلهي والتي تريد صنع السعادة للجميع؟

أين المحتاج والفقير من كل ما سبق؟
إذا استطعنا أن نلبي حاجة عند من يملك المال بأن نحافظ له على قيمة ما يملك من خلال تحويل ماله للسلة التي ذكرنا وتمكينه من استعادة ماله متى أراد بقيمته الحقيقية المجردة, وقدمنا له خدمات موازية لأي بنك حديث بما يخص المعاملات المصرفية والمالية تحت ظلال الشريعة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي ,ثم إذا مكنا الفقير من فتح حساب بنكي عن طريق فكرة الخدمات المصرفية عن طريق الوكيل أو المراسل كسلسلة محلات البقالة ثم استخدمنا التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لمعرفة حاجة الفقير ونمط صرفه ودخله لكي لا يجوع ولا يعرى ولا يتواكل في نفس الوقت واستخدمنا مرابح هذا العمل لتغطية حاجات الفقراء الذين يملكون حسابات لدينا ووضعنا كل هذا في دولة قانون ونظام مراقبة ومحاسبة دقيق ألا نكون قد حققنا المصلحة المشتركة ؟
بالطبع المشروع معقد وبحاجة لتتضافر الجهود ورعاية دولة عادلة تؤمن بالشرع وحقوق البشر من منظور إلهي وليس وضعي. كل هذه العناصر موجودة ولكن يبقى أن يُربط بعضُها ببعض وبالمركب الديني الذي عنوانه الإخلاص وهذا ما يدفعنا للعمل دون يأس على الرغم من ضعف إمكانياتنا.

الخاتمة:
التحول من اقتصاد الدين إلى الاقتصاد الحقيقي , والتقييم العادل للثروة بناءً على قواعد عادلة لجميع البشر, والقضاء على الربا من خلال تفكيك ديناميات اقتصاد التمويل ليكون منضبطاً بسلطان الشرع, وفي النهاية تكوين علاقة تكافلية منضبطة بين الفقير والغني في مجتمعاتنا الإسلامية دون الإضرار بأي طرف على حساب الآخر ودون الاعتماد على مستوى تطور الحكومات المحلية ونضجها في عالمنا الإسلامي والعالم الثالث هي الاتجاه الصحيح لإعادة السعادة في الدنيا والآخرة للبشر كافة ولمجتمعاتنا الإسلامية خاصة ,وهي تكليف حقيقي لكل مسلم مهما بلغت إمكانياته من الضعف أو القوة .مشاريعنا المنبثقة من مشروعنا مع الرئيس تهدف لخلق القاطرات التي تساعد على غلق الهوة بين النظرية والتطبيق وتقديم حلول معاصرة تستفيد من أزمة الواقع لدى البشر في كافة أنحاء العالم لتعيد المجد للتوجيه الإلهي في حكم العلاقات البشرية كما أمرنا الله ومزجه في حياتنا اليومية بعد أن غُيب لعشرات بل لمئات السنين.

 

والله من وراء القصد
د. أحمد سامر العش
الموافق يوم عرفة

 
 
 
 
 

المراجع
تقرير كتبه لـ HSBC الخبير الأكاديمي وخبير التكنولوجيا المالية الدكتور ماركوس زكرياديس Dr. Markos Zachariadis.

 

لتحميل المقالة

بنك الجار

Related Posts